سؤال من ابني أسيا (( عمره 8 سنين )) بتاريخ 6\1\2001
بعد أن أكملنا احتفالنا بعيد الدنح في كنيسة مار أسيا الحكيم بالدرباسية وعدنا إلى المنزل سألني ابني أسيا قائلاً : لماذا عمَّدتَ المسيح اليوم يا بابا ؟
وبالطبع إن العبرة ليست في الجواب بل في السبب الذي جعله يسأل هذا السؤال الحساس . فلماذا سألني هذا السؤال ؟
الجــــواب
إن السبب نابع من ثلاث مسائل رئيسية وهي :
المسألة الأولى . التربية المسيحية المركّزة في المنزل .
فأنا الضعيف ومنذ أن تزوجت كنت أنا وزوجتي ( الخورية أليزابيت ملكي ) متفقين على أن تربية أولادنا تربية مسيحية مركّزة يجب أن تتصدر سلم منهاج حياتنا حتى إن انعكس ذلك سلباً على رزقنا ومعيشتنا ، وذلك من منطلق أن الأب والأم مسئولان أمام الله عن تربية أولادهما تربية مسيحية ولا حِلَّ لهما من ذلك البتة . وذلك من منطلق أننا بتربيتنا لأولادنا التربية المسيحية سنقدم أسرة صالحة للكنيسة والمجتمع إنما أول المستفيدين روحياً ومعنوياً هو نحن ثم بعد ذلك تنعكس المنفعة على الكنيسة والمجتمع . والحمد لله قد نجحنا في تحقيق هذه المسألة ودليل ذلك هو أن ابني أسيا ومنذ أن كان له 3 سنوات يداوم معي في الكنيسة ، وهذا ما أدّى إلى أن يخدم معي شماساً في الكنيسة منذ أن كان له 4 سنوات . وأصلي بتضرع إلى الله أن يحفظ أبناء جميع الناس ومنهم أولادي . وبالطبع ليست الغاية هي عرض فكرة عن تربيتي لأسرتي تربية مسيحية مركّزة بل الغاية هو توجيه كل قارئ ومؤمن إلى أن يجعل مسألة تربية الأولاد تربية مسيحية مسألة تتصدر سلم منهاج حياته لأنه كما قال ربنا له المجد : ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه ( مت16: 26 ) .
المسألة الثانية .
إنه في الكنيسة وعلى صغر سنّه مستمع جيداً للعظة التي تتخلل القداس . وهذا بحدّ ذاته هو دعوة للمؤمنين أن يرسلوا أولادهم وبناتهم إلى الكنيسة وبخاصة أثناء القداس حتى يعتادوا عليه منذ طفولتهم ، وذلك لأن القداس الإلهي يوم الأحد هو رأس العبادة في المسيحية من دونه يخسر المؤمن الخلاص .
المسألة الثالثة . إنه منتبه جيد لكل مراحل الطقس ( القداس _ أي طقس آخر مع القداس ) .
هذه المسائل الثلاثة مجتمعة تجعله على الدوام يسألني أسئلة هي من صلب إيماننا المسيحي . ولذا فإنها فرصة لأن أوجّه اهتمام القارئ العزيز إلى الضرورة المطلقة للتربية المسيحية للأولاد منذ طفولتهم ، وهذا ما أكّده رب المجد بقوله : دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات ( مت19: 14 ) .
والآن هل قمتُ أنا ككاهن بتعميد المسيح فعلياً ؟
بالتأكيد لا . فما هو الجواب إذاً ؟
في الحقيقة هناك مسألة هامة جداً على المؤمن أن يعلمها ألا وهي أن كل ما قام به ربنا يسوع المسيح له المجد من كرازة وأفعال احتفالية لا تزال مستمرة بمفاعيلها في حياة الكنيسة حتى يوم القيامة لأكثر من سبب منها اثنان أساسيان هما :
الأول . لا تزال هناك مواليد جديدة للمؤمنين ، وإن كل مولود جديد يولد وهو حامل الخطية الأصلية ، وبالتالي هو يحتاج إلى المسيح مصلوباً ومائتاً وقائماً من الأموات بوساطة المعمودية .
الثاني . إن المؤمن عامة يرتكب الخطايا في حياته ، وهذه أيضاً تحتاج إلى غفران ، وإن هذا الغفران لا يتحقق دون المسيح مصلوباً ومائتاً وقائماً من الأموات بذبيحة القربان المقدس .
والآن . إذا كانت ذبيحة الصليب هي الأساس والمحور في منح الغفران والخلاص ، فماذا بقي لمعمودية المسيح من يوحنا المعمدان التي نحتفل بذكراها كل يوم 6\1\ من كل عام ؟
الجـــواب
أحب أن أبدأ من ملاحظة هامة ألا وهي أن كل ما كان في العهد القديم كان صوراً رامزة إلى الصورة الحقيقية ( المسيح ) له المجد باستثاء عماد المسيح من يوحنا فإنه كان صورة حقيقية لطريقة المعمودية المسيحية ، وذلك لأن المسيح له المجد لم يعتمد من يوحنا كرمزٍ بل صورة حقيقة للإله المتجسد ، ولذا فإنها لا تعتبر من العهد القديم بل من العهد الجديد ، لا بل فاتحة العهد الجديد .
إذاً ، كانت معمودية المسيح من يوحنا صورة حقيقية لطقس المعمودية المسيحية . ولكنّ المعمودية المسيحية ومثلما عرّفها الرسول بولس تعني الصلب والموت والقيامة مع المسيح من أجل التحرر من الخطية الأصلية ومن سلطان سائر الخطايا ، حيث قال الرسول بولس : أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته حتى أنه كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدّة الحياة ، لأننا إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليُبطل جسد الخطيّة كي لا نعود نُستعبّد للخطيّة ( رؤ6: 4-6 ) . وكان ربنا قد أكّد هذه المسألة حينما قال : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ( يو3: 5 ) .
إذاً إن كل ما قام به ربنا له المجد من كرازة وأفعال احتفالية ابتداءً من عماد المسيح له المجد من يوحنا المعمدان وحتى حلول الروح القدس يوم الخمسين لا يزال مستمراً في حياة الكنيسة دون تكرار ، أي أننا حينما نمارسها فإننا لا نكررها بل نحن نتابع مسيرة استمرارها في حياة الكنيسة . وبالتالي فأنا لم أقم عملياً بتعميد المسيح بل ككاهن أمارس في مكاني استمرارية مفاعيل ذلك الطقس الاحتفالي في حياة الكنيسة .
وقد يتساءل القارئ : هل هذا الجواب هو ما أجبته لابنك ؟
بالتأكيد لا . لأنه طفل غير قادر بعد على استيعاب هذا الجواب . بل اكتفيت بالقول كلا يا بني فإن يوحنا المعمدان هو الذي عمّد يسوع المسيح وأما أنا فقد احتفلت بذكرى تلك المعمودية . وللمسيح المجد إلى الأبد آمين .